«الإيكونوميست»: الخدمات والطاقة الخضراء تقودان إسبانيا إلى قمة اقتصادات الدول الغنية خلال 2024

«الإيكونوميست»: الخدمات والطاقة الخضراء تقودان إسبانيا إلى قمة اقتصادات الدول الغنية خلال 2024
مشروعات الطاقة المتجددة في إسبانيا

واجهت إسبانيا أزمة اقتصادية خانقة قبل 12 عامًا، إذ بدت الحكومة والبنوك عالقتين في دوامة انهيار خطيرة، ما دفعها للاعتماد على برامج الإنقاذ الدولية، فيما غادر الكثير من الشباب البلاد بحثًا عن فرص عمل، واحتج آخرون بسبب انعدام الفرص، كما ظهرت المدن الإسبانية مليئة بالمنازل غير المكتملة والمطارات المهجورة، كدليل على انفجار فقاعة العقارات التي كادت تدمر الاقتصاد.

وفي 2024، ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست" اليوم الأحد، تصدّرت إسبانيا قائمة الاقتصادات الأفضل أداءً في 2024، وفقًا لمؤشرات عديدة تشمل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع التضخم، وانخفاض البطالة، وتحسن السياسة المالية، وارتفاع أداء سوق الأسهم.

وحقق الاقتصاد الإسباني نموًا أسرع من الولايات المتحدة التي تعتبر معيارًا بين الدول الغنية، سواء على مستوى النمو الاقتصادي الكلي أو خلق فرص العمل.

دول أخرى تعافت

وذكرت المجلة أن اليونان وأيرلندا قد نجحا في التعافي من أزماتهما المالية السابقة، وحققتا أداءً اقتصاديًا جيدًا في 2024، كما ازدهر اقتصاد الدنمارك بفضل نجاح عقاقير مكافحة السمنة التي طورتها شركة “نوفو نورديسك”، ورغم ذلك، تميّزت إسبانيا بتقديم نموذج يُفند ادعاءات ركود الاقتصاد الأوروبي، حيث جنت البلاد ثمار إصلاحات اقتصادية جريئة اتخذتها في أعقاب الأزمة المالية، مما يوفر دروسًا مهمة لبقية الدول الأوروبية، ويشكل تحذيرًا لصنّاع القرار الإسبان من مخاطر التراخي في مواصلة الإصلاحات.

تطوير قطاع الخدمات

ركّزت إسبانيا على تعزيز قطاع الخدمات بدلًا من الاعتماد المفرط على الصناعة، ورغم أن الإنتاج الصناعي لم يتراجع فيها كما حدث في ألمانيا، بفضل انخفاض تكاليف الطاقة، إلا أنه ظل في حالة ركود.

وأوضح التقرير أنه من ناحية أخرى، تعافت السياحة بقوة بعد التراجع الذي شهدته خلال جائحة كورونا، وارتفعت نسبة الخدمات غير السياحية من 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الجائحة إلى ما يتراوح بين 7-8% حاليًا، وفقًا لتقديرات بنك BBVA.

ونجحت إسبانيا في تصدير خدمات استشارية وتقنية، إلى جانب السياحة التقليدية التي تتميز بأجواء الشمس ومشروب السانجريا.

جذب الشباب والمستثمرين

بحسب التقرير شهدت إسبانيا تدفقًا كبيرًا من الشباب الباحثين عن فرص العمل، فمنذ عام 2019، ارتفع عدد العمال المولودين في الخارج بحوالي 1.2 مليون شخص، معظمهم من دول أمريكا اللاتينية، ورغم أن العديد من هؤلاء المهاجرين يعملون في وظائف منخفضة الأجر والمهارة، فإن الاقتصاد الإسباني نما بنسبة 7% منذ 2019، وبعد احتساب الزيادة السكانية، يبقى النمو الحقيقي 3%، وهو أفضل من دول مثل بريطانيا وكندا التي شهدت ارتفاعًا في معدلات الهجرة لكن مع تراجع في الناتج المحلي للفرد.

واستقطبت إسبانيا أيضًا استثمارات كبيرة من الشركات الصينية، ففي ديسمبر 2023، أعلنت شركتا "ستيلانتس" لصناعة السيارات و"CATL" الصينية للبطاريات عن بناء مصنع جديد للبطاريات في مدينة سرقسطة، كما اختارت شركة "شيري إنترناشيونال" الصينية برشلونة لتكون موقعًا لأول مصنع لها في أوروبا.

ثمار الإصلاحات الهيكلية

وذكرت المجلة أن إسبانيا اتخذت قرارات إصلاحية جريئة بعد الأزمة المالية، أسهمت في تحقيق نجاحها الحالي، شملت هذه الإصلاحات إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قوانين سوق العمل، مما سهّل إعادة التفاوض على العقود وشجّع أصحاب العمل على توظيف عمال بعقود دائمة.

ودعمت الحكومة قطاع الطاقة المتجددة من خلال إلغاء "ضريبة الشمس" التي كانت تفرض رسومًا إضافية على الطاقة الشمسية، ما أدى إلى ازدهار قطاع الطاقة الخضراء.

تحديات المستقبل

وواجهت إسبانيا تحديات تتعلق بالاستثمار والإنتاجية، فرغم نجاحها الاقتصادي، أدى انتعاش السياحة وزيادة الهجرة إلى ارتفاع أسعار العقارات، بينما ظل الاستثمار ونمو الإنتاجية ضعيفين، كما بدت الحكومة الائتلافية الحالية غير قادرة على تمرير الإصلاحات الضرورية لتعزيز النمو طويل الأمد، خاصة في قطاعي التعليم والخدمات، وزادت اللوائح التنظيمية من أعباء الشركات ورفعت تكاليفها.

واحتاجت إسبانيا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، حيث لم يتجاوز 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى منخفض مقارنةً بالمعايير العالمية، ويتطلب هذا الإنفاق الإضافي توفير موارد مالية جديدة دون التأثير على الإصلاحات الاقتصادية.

واختتمت المجلة تقريرها بأن إسبانيا أثبتت أن الاقتصادات الأوروبية قادرة على تجاوز الأزمات الكبرى، لكن عليها أن تحذر من مخاطر الركود والتراخي، لضمان استمرار مسيرة النجاح الاقتصادي التي حققتها في السنوات الأخيرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية